كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي لفظ لمسلم، عن ثوبان رضي الله عنه قال: «ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحية ثم قال: يا ثوبان أصحل لهم هذه، فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة». وفي بعض ألفاظ حديث ثوبان، هذا عند مسلم أن ذلك في حجة الوداع.
وفي لفظ لمسلم، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فامسكوا ما بدا لكم ونهيتكم عن النَّبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرًا».اهـ منه.
فكل هذه الألفاظ الثابتة بالأسانيد الصحيحة في مسلم وبعضها في البخاري فيها الدلالة الصحيحة الصريحة: أن تحريم الادخار، والأكل من لحوم الأضاحي، فوق ثلاث: أنه منسوخ، وأن ذلك جائز مطلقًا، وفي بعض الروايات: تعليل ذلك النهي الموقت بمجيء بعض الفقراء من البادية، وهم المعبر عنهم في الحديث بالدافة.
قال ابن الأثير في النهاية: الدافة القوم يسيرون جماعة سيرًا ليس بالشديد. يقال لهم يدفون دفيفًا، والدافة قوم من الإعراب يردون المصر يريد أنهم قدموا المدنية عند الأضحى، فنهاهم عن ادخار لحوم الأضحاي، ليفرقوها ويتصدقوا بها، فينتفع أولئك القادمون بها. انتهى من النهاية.
تنبيه:
في هذا الحديث دليل لمن قال من أهل الأصول: باشتراط انعكاس العلة في صحتها، لأن علة تحريم ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث: هي وجود دافة فقراء البادية، الذين دفوا عليهم. ولما زالت هذه العلة زال الحكم معها، ودوران الحكم مع علته في العدم، هو المعروف في الاصطلاح بانعكاسها. والمقرر في الأصول: أن محل القدح في العلة بعدم انعكاسها فيما إذا كانت علة الحكم واحدة، لا إن كانت له علل متعددة، فلا يقدح في واحدة منها بعدم العكس، لأنه إذا انعدمت واحدة منها ثبت الحكم بالعلة الأخرى، كالبول، والغائط، لنقض الوضوء مثلًا. فإن البول يكون معدوما وعلة النقض ثابتة بخروج الغائط، وهكذا. وكذلك مع كونها علة واحد لابد أيضًا في القدح فيها، بعدم العكس من عدم ورود دليل ببقاء الحكم مع ذهاب العلة، فإن دل دليل على بقاء الحكم، مع انتفاء العلة، فلا يقدح فيها بعدم العكس، كالرمل في الأشواط الأول، من الطواف، فإن علته هي أن يعلم المشركون: أن الصحابة أقوياء ولم تضعفهم حمى يثرب. وهذه العلة قد زالت مع أن حكمها وهو الرمل في الأشواط المذكورة باق لوجود الدليل على بقائه، لأنه صلى الله عليه وسلم رمل في حجة الوداع، والعلة المذكورة معدومة قطعًا زمن حجة الوداع كما قدمنا إيضاحه، وإلى هذه المسألة أشار صاحب مراقي السعود في مبحث القوادح بقوله:
وعدم العكس مع اتحاد ** يقدح دون النص بالتمادي

الفرع العاشر: أظهر قولي أهل العلم عندي: هو نسخ الأمر بالفرع والعتيرة. ونقل النووي في شرحه لمسلم، عن عياض: أن جماهير العلماء على نسخ الأمر بالفرع، والعتيرة. وذكر النووي أيضًا في شرحه لمسلم: أن الصحيح عند علماء الشافعية: استحباب الفرع والعتيرة قال: وهو نص الشافعي.
والدليل عندنا على أن الأظهر هو نسخهما: هو ثبوت ما يدل على ذلك عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه: حدثنا يحيى بن يحيى التميمي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وعمرو الناقد، وزهير بن حرب قال يحيى: أخبرنا.
وقال الآخرون: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم ح وحدثني محمد بن رافع وعبد بن حميد قال عبد: أخبرنا. وقال ابن رافع: حدثنا بعد الرزاق أخبرنا معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا فَرَعَ ولا عتيرة» زاد ابن رافع في روايته: والفرع: أول النتاج، كان ينتج لهم فيذبحونه اه من صحيح مسلم. وهذا الإسناد في غاية الصحة من طريقيه كما ترى. وفيه: تصريح النَّبي صلى الله عليه وسلم، بأنه لا فرع. والعتيرة والفرع بالفاء والراء المفتوحتين بعدهما عين مهملة، جاء تفسيره، عن ابن رافع كما ذكره عنه مسلم فيما رأيت. وقال النووي: قال الشافعي، وأصحابه وآخرون: الفعر: هو أول نتاج البهيمة، كانوا يذبحونه، ولا يملكونه رجاء البركة في الأم، وكثرة نسلها، وهكذا فسره كثيرون من أهل اللغة وغيرهم، وقال كثيرون منهم: هو أول النتاج كانوا يذبحونه لآلهتهم: وهي طواغيتهم. وكذا جاء في هذا التفسير في صحيح البخاري، وسنن أبي داود وقيل: هو أول النتاج لمن بلغت إبله مائة يذبحونه. وقال شمر: قال أبو مالك: كان الرجل إذا بلغت إبله مائة قدم بكرًا فنحره لصنمه، ويسمونه الفرع. اه محل الغرض منه.
وأما العتيرة بعين مهملة مفتوحة، ثم تاء مثناة من فوق فهي: ذبيحة كانوا يذبحونها في العشر الأول من رجب، ويسمونها الرجبية أيضًا، وحديث مسلم هذا الذي ذكرنا صريح في نسخ الأمر بها، لأن قوله «لا فرع ولا عتيرة» نفي: أريد به النهي فيما يظهر كقوله: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحج} [البقرة: 197] أي لا ترفثوا ولا تفسقوا، وعليه فيكون المعنى: لا تعملوا عمل الجاهلية في ذبح الفرع والعتيرة، ولو قدرنا أن الصيغة نافية، فالظاهر أن المعنى: لا فرع ولا عتيرة مطلوبان شرعًا، ونسخهما هو الأظهر عندنا للحديث الصحيح كما رأيت. ومن زعم بقاء مشروعيتهما، واستحبابهما فقد استدل ببعض الأحاديث، على ذلك، وسنذكر حاصلها بواسطة نقل النووي لأنه جمعها في محل واحد، فقال منها: حديث نبيشة رضي الله عنه قال: نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب، فقال: «اذبحوا لله في أي شهر كان وبروا لله وأطعموا» قال: إنا كنا نفرع فرعًا في الجاهلية، فما تأمرنا؟ فقال: «في كل سائمة فرع تغذوه ماشيتك حتى إذا استحمل ذبحته فتصدقت بلحمه» رواه أبو داود، وغيره بأسانيد صحيحة. وقال ابن المنذر: هو حديث صحيح. قال أبو قلابة، أحد رواة هذا الحديث: السائمة مائة.
ورواه البيهقي بإسناده الصحيح، عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفرعة من كل خمسين واحدة. وفي رواية: من كل خمسين شاة شاة. قال ابن المنذر: حديث عائشة صحيح، وفي سنن أبي داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال الراوي: أراه عن جده. قال سئل النَّبي صلى الله عليه وسلم عن الفرع فقال: «الفرع حق وإن تركوه حتى يكون بكرًا أو ابن مخاض أو ابن لبون فتعطيه أرملة أو تحمل عليه في سبيل الله خير من أن تذبحه فيلزق لحمه بوبره وتكفأ إناؤك وتوله ناقتك» قال أبو عبيد في تفسير هذا الحديث: قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «الفرع حق» ولَكِنهم كانوا يذبحونه حين يولد ولا شبع فيه، ولذا قال تذبحه، فيلزق لحمه بوبره، وفيه أن ذهاب ولدها يدفع لبنها، ولهذا قال «خير من أن تكفأ» يعني: أنك إذا فعلت ذلك، فكأنك كفأت إناءك وأرقته. وأشار به إلى ذهاب اللبن، وفيه: أنه يفجعها بولدها ولهذا قال: وتوله ناقتك فأشار بتركه، حتى يكون ابن مخاض، وهو ابن سنة، ثم يذهب وقد طاب لحمه واستمتع بلبن أمه، ولا تشق عليها مفارقته لأنه استغنى عنها. هذا كلام أبي عبيد. وروى البيهقي بإسناده عن الحارث بن عمر قال: أتيت النَّبي صلى الله عليه وسلم بعرفات، أو قال: بمنى، وسأله رجل عن العتيرة؟ فقال: «من شاء عتر ومن شاء لم يعتر ومن شاء فرع ومن شاء لم يفرع» وعن أبي رزين قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا كنا نذبح في الجاهلية ذبائح في رجب، فنأكل منها، ونطعم من جاءنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا بأس بذلك» وعن أبي رملة، عن مخنف بن سليم قال: كنا وقوفًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات فسمعته يقول: «يا أيها الناس إن على أهل كل بيت في كل عام أضحية وعتيرة هل تدري ما العتيرة؟ هي: التي تسمى الرجبية» ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم. قال الترمذي: حديث حسن. وقال الخطابي: هذا الحديث ضعيف المخرج، لأن أبا رملة مجهول، هذا مختصر ما جاء من الأحاديث في الفرع والعتيرة اه كلام النووي.
وقد قدمنا الكلام مستوفى على حديث مخنف بن سليم المقتضي: أن على كل أهل بيت في كل عام: أضحية وعتيرة، وقد علمت حجج الفريقين في الفرع والعتيرة.
وقد قدمنا أن الظهر عندنا فيهما: النسخ ويترجح ذلك بأمور:
منها: أن حديث مسلم المصرح بذلك أصح من جميع الأحاديث المذكورة في الباب.
ومنها: أن أكثر أهل العلم على النسخ في ذلك، كما ذكره النووي عن عياض.
ومنها: أن ذلك كان من فعل الجاهلية، وكانوا يتقربون بهما لطواغيتهم، وللمخالف أن يقول في هذا الأخير: إن المسلمين يتقربون بهما لله ويتصدقون بلحومهما.
ولم نستقص أقوال أهل العلم في المسألة لقصد الاختصار، لطول الكلام في موضوع آيات الحج هذه.
الفرع الحادي عشر: اعلم: أن المعيبة لا تجوز التضحية بها، ولا تجزئ. والأصل في ذلك ما رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن وابن حبان والبيهقي، والحاكم عن البراء بن عازب رضي الله عنه، وصححه الترمذي. وقال النووي: في حديث البراء: صحيح رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم، بأسانيد حسنة قال أحمد بن حنبل: ما أحسنه من حديث. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربع لا تجزئ في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والعجفاء التي لا تنقى» وفي رواية «والكسير التي لا تنقى» والتي لا تنقى هي التي لا مخ فيها لأن النقى بكسر النون المشددة، وسكون القاف المخ. فقول العرب: أنقت تنقى إنقاء: إذا كان لها مخ ومنه قول كعب بن سعد الغنوي يرثي أخاه:
يبيت الندى يا أم عمرو ضجيعه ** إذا لم يكن في المنقيات حلوب

وقول الآخر:
يسرق الكلب السرو نعالنا ** ولا ينتقي المخ الذي في الجماجم

وقال ابن الأثير في النهاية: الكسير: التي لا تنقى، أي التي لا مخ فيها لضعفها وهزالها. وقوله في الحديث: البين ضلعها: أي عرجها كما هو واضح، والضلع بفتح الضاد، واللام، وقد جاء في الحديث عن علي رضي الله عنه قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ولا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء» قال المجد في المنتقى: ورواه الخمسة، وصححه الترمذي. ومراده بالخمسة الإمام أحمد وأصحاب السنن الأربعة، وقال الشوكاني في نيل الأوطار: في حديث على المذكور: أخرجه أيضًا البزار وابن حبان والحاكم والبيهقي. وأعله الدارقطني، والمقابلة والمدابرة: كلتاهما بفتح الباء بصيغة اسم المفعول، والمقابلة، هي التي قطع شيء من مقدم أذنها ولم ينفصل، بل بقي لاصقًا بالأذن متدليًّا والمدابرة: هي التي قطع شيء من مؤخر أذنها على نحو ما ذكرنا فيما قبلها، والخرقاء: التي في أذنها خرق مستدير، والشرقاء: مشقوق الأذن. اهـ. وضابط ما يمنع الإجزاء هو ما ينقص اللحم. وقال النووي في شرح المهذب: أجمعوا على أن العمياء لا تجزئ، وكذلك العوراء البيِّن عورها، والعرجاء البيِّن عرجها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء.
واختلفوا في ذاهبة القرن ومكسورته فمذهبنا: أنها تجزئ. قال مالك: إن كانت مكسورة القرن، وهو يدمي لم تجزه، وإلا فتجزئه. وقال أحمد: إن ذهب أكثر من نصف قرنا لم تجزه، سواء دميت أم لا، وإن كان دون النصف أجزأته.
وأما مقطوعة الأذن، فمذهبنا: أنها لا تجزئ، سواء قطع كلها أو بعضها. وبه قال مالك، وداود وقال أحمد: إن قطع أكثر من النصف لم تجزه، وإلا فتجزئه. وقال أبو حنيفة: إن قطع أكثر من الثلث لم تجزه وقال أبو يوسف، ومحمد: إن بقي أكثر من نصف أذنها: أجزأت، وأما مقطوعة بعض الألية: فلا تجزئ عندنا، وبه قال مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة في رواية: إن بقي الثلث أجزأت، وفي رواية: إن بقي أكثرها أجزأت وقال داود: تجزئ بكل حال. انتهى محل الغرض من كلام النووي.
ومعلوم أن هناك روايات أخر لم يذكرها عن الأئمة الذين نقل عنهم ولم نستقص هنا أقوال أهل العلم، لأن باب الأضحية جاء في هذا الكتاب استطراردًا، مع أن الكلام في آيات الحج طال كثيرًا، ولذلك اكتفينا هنا بهذه الجمل التي ذكرنا من أحكام الأضاحي.
مسألة:
اعلم أنه لما كانت العمرة قرينة الحج في آيات من كتاب الله كقوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الحج والعمرة للَّهِ} [البقرة: 196] وقوله: {فَمَنْ حَجَّ البيت أَوِ اعتمر فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] وقوله: {فَمَن تَمَتَّعَ بالعمرة إِلَى الحج} [البقرة: 196] أردنا أن نذكر هنا حكم العمرة على سبيل الاختصار استطرادًا والعمرة في اللغة الزيارة ومنه قول الراجز:
لقد سما ابن معمر حين اعتمر ** مغزى بعيدًا من بعيد وخبر

وهي في الشرع: زيارة بيت الله للنسك المعروف المتركب من إحرام، وطواف وسعي وحلق أو تقصير.
واعلم: أن العلماء أجمعوا على أن من أحرم بالعمرة، وجب عليه إتمامها، ولا يجوز له قطعها وعدم إتمامها، لقوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الحج والعمرة للَّهِ} [البقرة: 196].
أما حكم استئناف فعلها فقد اختلف فيه أهل العلم، فذهب بعضهم: إلى أنها واجبة في العمر كالحج، وذهب بعضهم: إلى أنها غير واجبة أصلًا، ولَكِنها سنة في العمر مرة واحدة، وممن قال: بأنها فرض في العمر مرة: الشافعي في الصحيح من مذهبه. قال النووي: وبه قال عمر وابن عباس، وابن عمر وجابر وطاوس، وعطاء، وابن المسيب، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، وابن سيرين، والشعبي، ومسروق، وأبو بردة بن أبي موسى الحضرمي، وعبد الله بن شداد، والثوري، وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وداود.
وممن قال: بأنها سنة في العمر ليست بواجبة: مالك وأصحابه، وأبو حنيفة، وأبو ثور، وحكاه ابن المنذر وغيره، عن النخعي قاله النووي. وقال ابن قدامة في المغني: وتجب العمرة على من يجب عليه الحج في إحدى الروايتين. وروي ذلك عن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت، وابن عمر وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وعطاء، وطاوس ومجاهد والحسن، وابن سيرين، والشعبي. وبه قال الثوري، وإسحاق، والشافعي في أحد قوليه. والرواية الثانية ليست بواجبة، وروي ذلك عن ابن مسعود وبه قال مالك، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، اهـ. محل الغرض منه.
وإذا علمت أقوال العلماء في العمرة: هل هي فرض في العمر، أو سنة؟ فدونك أدلتهم، ومناقشتها باختصار مع بيان ما يظهر رجحانه منها. أما الذين قالوا: العمرة فرض في العرم، فقد احتجوا بأحاديث:
منها: حديث أبي رزين العقيلي، وقد قدمنا الكلام عليه مستوفى وهو أنه «أتى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي شيخ كبير، لا يستطيع الحج، ولا العمرة ولا الظعن، فقال: حج عن أبيك واعتمر» رواه أحمد وأصحاب السنن، وصححه الترمذي ومحل الدليل منهق وله: واعتمر، لأن صيغة أمر بالعمرة، مقرونة بالأمر بالحج، فأفادت صيغة الأمر الوجوب كما أوضحنا توجيه ذلك مرارًا في هذا الكتاب المبارك. وذكر غير واحد عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: لا أعلم في إيجاب العمرة حديثا أجود من هذا ولا أصح.
ومن أدلتهم على وجوبها قوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الحج والعمرة للَّهِ} [البقرة: 196] الآية بناء على أن المراد بإتمامها في الآية ابتداء فعلها على الوجه الأكمل، لا إتمامها بعد الشروع، وقد قدمنا الكلام في الآية بما أغنى عن إعادته هنا.
وأن الظاهر أن المتبادر منها: وجوب الإتمام بعد الشروع من غير تعرض إلى حكم ابتداء فعلها.
ومن أدلتهم على وجوبها: ما رواه الدارقطني من حديث زيد بن ثابت «الحج والعمرة فريضتان لا يضرك أيهما بدأت»اهـ.